الخرطوم- محمد الأقرع
بصوت غالبته نبرات حزن وأسى، تقول زينب عزالدين والدة مفقود حراك مناهضة الانقلاب، محمد عبد المنعم، إن أسرتها تعيش أوضاعاً مأساوية مؤلمة وفقدت الاستقرار، إذ ظلت على مدار الخمسة أشهر الماضية تثابر بحثاً عن ابنها والمعلومات التي تقود إليه دون جدوى، أو اعتراف السلطات باعتقاله.
وتقول “زينب”: “اي مكان مشيناه، الواحد ما عارف يعمل شنو ولا يقول شنو، أحساس الفقد حاجة صعبة”.
اختفى محمد عبد المنعم محمد صالح البالغ من العمر (16) عاماً عقب مشاركته في موكب (30) نوفمبر الماضي الذي وصل إلى محيط القصر الجمهوري، قبل أن تقوم القوات الأمنية والشرطية وقتها، بتفريق وقمع المتظاهرين بصورة مفرطة، حين انتصف ليل ذلك اليوم ولم يعد “محمد” إلى منزله الكائن بحي المايقوما بضاحية الحاج يوسف، شرق الخرطوم، بدأت أسرته في القلق والبحث مباشرة في أقسام الشرطة والمستشفيات، وبعدها قامت بنشر صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول والدته إن إحدى الطبيبات من الكوادر العاملة في الإسعاف الميداني، أكدت لهم أن “محمد” كان قد أصيب بحالة اختناق أثناء الموكب وتم إسعافه من قبلها وتعافى، وكان ذلك جنوب فندق “مريديان” ـ سابقاً ـ وإن أحد أصدقائه في الحي كما تخبرنا والدته، قال إن قوات من الشرطة داهمتهم حينما كان المفقود معهم لحظة انسحاب الموكب عصراً، وإنه استطاع الهرب لحظتها، بينما تم اعتقال صديقه صاحب الإفادة.
تعتقد والدة المفقود محمد عبد المنعم، بصورة جازمة أن ابنها محتجز في أحد المعتقلات، وأن السلطة الانقلابية ترفض إطلاق سراحه، ويبدو أن هذا الاعتقاد لم يأت من فراغ، فهي تشير إلى أنها وردتها أكثر من عشر إفادات بأن ابنها محبوس بسجن “سوبا”، كان آخرها (الجمعة) الماضية كما تشير، إذ أبلغها أحد أفراد الشرطة بوجوده بالداخل وطلب منها الحضور اليوم (الثلاثاء)، ليمدها بمزيد من المعلومات.
بالمقابل تنفي إدارة سجن سوبا، وجوده.. تحكي “زينب” أنها قابلت نائب مدير السجن وهو قام أمامها بمراجعة شكلية لقائمة الثوار المعتقلين مؤخراً، لكنها بعد ذلك تلقت معلومات من جندي يعمل بالسجن وآخرين بوجوده هناك، وفي السياق تشير إلى ورود معلومات أخرى، أمس الأول، تفيد بأنه تم تحويله إلى سجن بورتسودان قبل أربعة أيام، وأن هناك بعض أقاربها سيباشرون البحث والتأكيد.
في حديث لـ”سودانية 24″ رجح أحد محامي الطوارئ فرضية عدم وجوده بسجن سوبا، مبيناً أنه عندما تم إطلاق سراح ثوار الجداريات الذين كانوا قد احتجزوا من بحري كان قد تم إخلاء عنبر المتظاهرين بالكامل، موضحاً أنهم حين سألوا عنه رد أغلبهم أنهم لم يروه بالسجن، وقال: “هناك احتمال بأن يكون محكوماً عليه بتهم جنائية”.
بالتوازي، سخرت “زينب” من هذه الفرضية وقالت: “محمد مستحيل يرتكب فعل جنائي، الولد دا هدي ورضي وجيرانه وأصحابه كلهم بشهدوا بكدا”، وأضافت: “حتى لو الكلام دا صحيح ليه إدارة السجن ترفض تورينا مكانو”، وحين سألناها برأيك لماذا تعتقل السلطات طفلاً في السادسة عشرة من عمره وتقوم بإخفائه؟ ردت : “ديل يعتقلوا شفع عمرهم 11 و12 سنة”.
بالعودة إلى مسار البحث عن المفقود محمد عبد المنعم تروي أمه، أنها لم تترك مكاناً إلا وذهبت إليه بحثاً عنه، وقالت: “حين راجت شائعة بترحيل ثوار إلى كوستي، قمت بمعاونة أقارب بالبحث في كل الحراسات والسجون هناك”، وكشفت أيضاً أنها التقت بالمسؤول بدولة جنوب السودان “توت قلواك” حينما أتى مبعوثاً إلى السودان، وأعطته تفاصيل وبيانات اختفاء ابنها لكن لم تصلها أية نتيجة، كذلك أوضحت أنها حاولت مرات عديدة مقابلة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” لكن حرسه كان يمنعها.
ما يعزز فرضية الإخفاء القسري للطفل محمد عبد المنعم ووجوده في أحد المعتقلات كما يرى بعض المراقبين، هو سلوك الأجهزة الذي ظهر مؤخراً في حالات مشابهة مثل حالة اختفاء التشكيلي معتصم الذي اعتقل في ظروف غامضة، وبعد البحث عنه لأيام اُكتشف أنه يقبع في إحدى زنازين مباحث الفيدرالية، كذلك هناك حالة لاختطاف الطالبة ياسمين ضياء الدين والبحث عنها أيضاً لأيام وحديث أسرتها أنها وردت إليها معلومة بوجودها في أحد معتقلات بحري، وأن إدارة المعتقل نفت وأنكرت وجودها، لكن بعد الضغط الإعلامي أفرجت السلطات عنها، بالتالي لا يستبعد المراقبون وجود المفقودين منذ الانقلاب في حراسات وسجون الأجهزة الأمنية، مشيرين في نفس الوقت إلى أن حالة الطوارئ المفروضة تعزز من وجود مثل هذه الحالات، نسبة لتنوع جهات الاعتقال وعدم ضبطها بأخذ التصديق من النيابة والجهات المختصة.
يشار إلى أن قوائم ضحايا الانقلاب بها ثلاثة مفقودين حتى الآن، انضموا إلى قائمة أخرى للمفقودين منذ انطلاق الحراك الثوري في السودان أواخر العام 2018م، و”محمد عبد المنعم” واحد من هؤلاء، وهو أخ أكبر يصغره اثنان آخران، كان يعد نفسه للجلوس لامتحان الشهادة الثانوية هذا العام، علاقته بالثورة كما تقول والدته هي كعلاقة كل أقرانه الذين رفضوا الانقلاب وهتفوا ضده، لكنها عادت وأوضحت قائلة: “هو صغير طبعاً وما عندو أي انتماءات سياسية، هو قال ما قاله كل الشعب السوداني في رفض الانقلاب”.
تختم والدة المفقود “محمد عبد المنعم” والعبرات الحزينة تتوسد حنجرتها:” أنا زيي زي أي أم ما ح يهدأ لي بال إلا أعرف مكان ولدي وين وأطلق سراحه، أنا بطالب مبعوثي حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وبرضو الفاعلين في المجتمع السوداني وشرفاء الأجهزة الأمنية بالتدخل وإطلاق سراح ابني”.