أجرى المقابلة – محمد الأقرع
ـ ما هي الآثار الاقتصادية التي أفرزتها إجراءات الجيش في (25 أكتوبر) الماضي.. وبالتحديد ما حجم الخسائر في قطاع الاستثمار والمشاريع المتوقعة..؟
إجراءات (25 أكتوبر) أوقفت الانطلاقة الحقيقية للسودان نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي والدمج الكامل في المجتمع الدولي، والتخلص من آثار وتبعات النظام البائد، رغم قسوة الإجراءات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السابقة إلا أن ذلك البرنامج الاصلاحي أدى إلى الاستقرار في سعر الصرف وتراجع في التضخم والأسعار، لكن اليوم نشهد على مدار الساعة التغيير المستمر للأسعار هو بسبب التصرف في احتياطيات البنك وانهيار سعر الصرف وعجز الدولة عن أن توفر موارد النقد الأجنبي الخاصة بسد النقص في احتياجات السلع والخدمات.
بالتأكيد، الخسائر أكبر في جانب الاستثمار، لأنه يحتاج إلى نوع من الإجراءات الداخلية فيما يختص بالمناخ الاستثماري الذي يتأثر بالاستقرار السياسي وثبات معطيات الاقتصاد الكلي، مثل قدرة الدولة على وضع الضمانات اللازمة واستقرار العملة، وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وهذا كله غير متوفر الآن أو على الأقل فيه خلل كبير. خلال الفترة الماضية تم توقيع مذكرات تفاهم وعقد اتفاقات تصل قيمتها نحو (35) مليار دولار لمشروعات استثمارية في قطاعات مهمة، لكن كل ذلك انهار وتم تجميده بسبب الانقلاب.
ـ برأيك هل ثمة جذر اقتصادي وراء القيام بالانقلاب.. وهل كان هناك تضارب مصالح داخلية أو إقليمية أدت إلى تنفيذه..؟
أي شخص منصف يمكن أن يلاحظ في أداء الحكومة قبل الانقلاب، تراجعاً واضحاً في معدلات التضخم وسعر الصرف بسبب التدفقات المستمرة، سواء كانت من خلال الدعومات والمنح من الدول الصديقة أو عوائد الصادر وتحويلات المغتربين التي كانت تدخل عبر القنوات الرسمية، أيضاً كنا نلاحظ أن هناك استقراراً نسبياً في حركة النقل والمواصلات واستقرار الإمدادات البترولية والخبز، وتحسّناً في الإمداد الكهربائي.. لكن قبل الانقلاب، هناك حدث مهم جداً وهو إقحام قضية الشرق العادلة بقفل الميناء في سبتمبر ٢٠٢١، ففي ذلك التوقيت كانت ترابط بواخر المنحة الأمريكية الخاصة بالقمح التي تقدر بنحو (400) ألف طن، بعضها وصل فعلاً والبعض الآخر كان في الطريق إلى بورتسودان. هذا العمل أثر على الإمدادات في سلع كثيرة ما خلق نقصاً في الإمداد وساعد في الندرة وتصاعد الأسعار قبل الانقلاب، وقد حاول البعض إظهار الحكومة باعتبارها عاجزة عن توفير السلع، وقد أثر ذلك اقتصادياً على الأوضاع في البلاد وعلى السفن التي تقوم بالنقل وأصحاب التعاقدات الخاصة بالبواخر الذين تحولوا إلى ميناء العين السخنة، مما سبب ضرراً كبيراً جداً على الاقتصاد السوداني امتدت آثاره إلى اليوم، لا شك أن هناك أيادي محلية وخارجية لعبت دوراً في ذلك.
ـ ما تعليقك على حديث البرهان حول الخطأ في اعتماد (40%) من موازنة الدولة خلال العامين الماضين على المعونات الخارجية..؟
حكومة الثورة أعدت موازنتين الأولى موازنة البدوي للعام 2020م، والأخرى في العام الثاني 2021، ويشار إلى أن موازنة “البدوي” تضمنت بعض الوعود الخاصة بالدعم الخارجي وكان ذلك خطأ وهي كانت تمثل نحو (40%) من جملة إيرادات الموازنة، وكان ذلك خطأ في التقدير، وقد كانت الاعتبارات مبنية على وعود من بعض الدول بالدعم ولم يتم تحقيقها آنذاك نسبة لوضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.. أما موازنة 2021، هذه الموازنة حين قُدمت كان السودان قد رُفع من القائمة الإرهابية في ديسمبر 2021، وكانت هناك إمكانية كبيرة للحصول على دعم من الدول الصديقة والمؤسسات المالية الدولية وقد حدث ذلك بالفعل، ساعد ذلك أداء الحكومة الجيد فيما يتعلق بحزمة الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة في فبراير، مثل الإصلاحات المتعلقة بسعر الصرف وعدم الاستدانة من النظام المصرفي وتشجيع الإنتاج وتحفيز المنتجين، والأخرى المتعلقة بسد العجز في الموازنة، بالإضافة إلى إجراءات داخلية في التشريعات القانونية والحوكمة وضبط الصادر بالسياسات المالية والنقدية.
والواضح أن كل ذلك ساعد في الوصول إلى مؤتمر باريس الذي ظهر فيه الدعم بصورة حقيقية، إذا خرجنا منه بدعم مباشر من البنك الدولي بـ(2) مليار وهي كما ذكرت في السابق خصصت لإسعافات عاجلة لمشروعات كبيرة مثل مشروعات الطاقة نحو (780) مليون دولار، كذلك الري والزراعة وحصاد المياه بحوالي (575) مليون دولار، ودعم مباشر لوزارة المالية لـ(500) مليون دولار كان يفترض أن يُتسلّم في نوفمبر 2021 وتحديداً في 4 نوفمبر، أي قبل الانقلاب بتسعة أيام، أيضاً دعم في مشروعات أخرى مثل توطين النازحين نحو (250) مليون دولار، والإحصاء والمعلومات (52) مليون دولار، الاستثمار في مشروعات دعم الشباب والمرأة نحو (100) مليون دولار، إلى جانب برنامج “ثمرات” المقدر بنحو (820) مليون دولار، فضلاً عن المنحة الخاصة بالقمح والدعم الأمريكي المباشرة بنحو (700) مليون دولار.
كل تلك المبالغ كانت مبرمجة باعتبار أنه وقعت اتفاقيات لها في وزارة المالية بحضور المدير الإقليمي للصندوق ووزراء القطاع الاقتصادي ذوي الصلة، وهذه الاتفاقات ضُمنت في الموازنة، الحديث الصحيح هو أن تلك الدعومات كانت تشكل مبلغاً كبيراً في الموازنة وتسد العجز، لأن السودان كان يحتاج إلى الانطلاق لتحسين وضع الزراعة والصادر والإنتاج بصفة عامة.
هذه الدعومات كانت عبارة عن دعم للحكومة الانتقالية وقد جمدت مباشرة بعد الانقلاب، ويقدر مجمل هذه المساعدات ما بين (4 -5) مليارات دولار.
ـ كيف تقرأ الوضع الاقتصادي الراهن والإجراءات التي اتخذتها السلطة الحالية في رفع أسعار الوقود والكهرباء وزيادة الضرائب.. وهل ستكون كافية للحد من آثار وقف الدعم الدولي..؟
أكبر مستهلك للوقود في الدولة الحكومة نفسها، سواء كان في الخدمات والتسيير أو الوقود والكهرباء، وهذا التعديل في الأسعار إذا افترضنا أن الطلب ثابت لم يتأثر بارتفاع أسعار الوقود فإنه يؤخذ عن طريق آخر، وهو زيادة في منصرفات الحكومة، لأن القطاع الحكومي سيتأثر بنفس الزيادات بالتالي يحدث عجز كبير في موازنة الدولة وموازنة المؤسسات والوزارات الحكومية التي تعد بنود صرفها المتعلقة بالسلع والخدمات مبرمجة منذ بداية العام، وبالتالي سيتم الصرف من الاحتياطات وستطبع الحكومة النقود لتغطية العجز، وتلقائياً تزيد من تدهور الوضع الاقتصادي مما يؤكد أن الزيادات الأخيرة لن تؤدي لأي حل من الحلول، كما أنها ليست كافية لتغطية دعم كان يمكن أن يأتي مجاناً من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية.
هذه الزيادات ستؤدي إلى زيادة الأسعار وتراجع في القوة الشرائية، بالتالي تقلل من حجم العائد الذي يمكن أن يأتي من الضرائب لأن كثيراً من المؤسسات عندما تزيد الأسعار تقلل من الإنتاج لتوازن بين التكلفة والعائد. عموماً هذه الزيادة ستزيد الضنك على المواطن ولن تقود إلى أي نوع من أنواع الحلول.
ـ في سياق الإجراءات الاقتصادية أيضاً أعلنت السلطة القائمة عن زيادة في الحد الأدنى للأجور وصلت إلى (12) ألف جنيه.. ما جدوى تلك الزيادة..؟
مبدأ زيادة الأجور دون دراسات موضوعية يؤدي إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار وزيادة في الغلاء، وتصبح الأجور التي زيدت في فترة قليلة لا تساوي أي شيء بل يتمنى الموظف أو العامل بالدولة لو كان المرتب الذي يتلقاه في الماضي هو السائد.
السلطة القائمة لم تتعظ من الزيادة التي أعلنها د. البدوي في العام 2020، وكانت سبباً لكارثة في ارتفاع حدة التضخم وزيادة في الأسعار بشكل غير مسبوق.
الزيادة في الأجور يجب أن تكون بالتدرج وتأخذ في الاعتبار إيرادات الدولة والتحسن النسبي في الاقتصاد واستقراره، صحيح أصبح المرتب لا يساوي شيئاً ولا يغطي الالتزامات التي يواجهها الموظف، لكن بالمقابل الزيادات العشوائية تزيد الغلاء والمشقة على الموظفين وبالتالي تدهور حياتهم المعيشية.
الاستقرار الأكبر يكمن في سعي الدولة لتثبيت معطيات الاقتصاد الكلي، وتثبيت واستقرار الأسعار ومراقبتها، وتشجيع ودعم الإنتاج والمنتجين، ودعم الفئات الضعيفة وشرائح الموظفين عبر الجمعيات التعاونية وبرامج الحماية الاجتماعية، غير ذلك زيادة الأجور ستعود بضرر على الموظف نفسه وضرر على الاقتصاد.
ـ تتحدث القوى السياسية التي كانت في السلطة- الحرية والتغيير- بعد الانقلاب عن قلقها من تدهور الأوضاع المعيشية والانهيار الاقتصادي لكن بالمقابل يطل السؤال الجوهري: هل كانت الأحوال أفضل حالاً إبان حكمها.. وهل اتخذت السلطة القائمة أي إجراءات اقتصادية بعيداً عن نفس السياسات التي تبنتها الحكومة السابقة..؟
يكفي أن تكون الحكومة السابقة، ونحن نتحدث عن حكومة وليست قوى سياسية، يكفي أنها في مجال العلاقات الخارجية أعادت السودان للاندماج في المنظومة الدولية والتعامل الطبيعي مع المؤسسات الدولية.
الانهيار الذي حدث بعد الانقلاب هو الذي فاقم هذه الأوضاع التي بدأت تتحسن بفضل سياسات الحكومة السابقة التي كانت ستؤدي لاستقرار، وقد وضح ذلك جلياً في الخطة الخاصة بالموسم الصيفي مثلاً، كانت جيدة للغاية وأدت إلى نتائج باهرة، وكانت هناك خطة أخرى للإنتاج الشتوي، يكفي أن تخطيط الحكومة لإنتاج القمح لا يقل عن (1.4) مليون ألف طن، وهذه الكمية كانت ستغطي نسبة كبيرة جداً من الاستهلاك المحلي.
كل ذلك تراجع وأدى إلى آثار وخيمة للغاية، الحكومة السابقة كانت تتلقى مساعدات والدليل على ذلك برنامج “ثمرات”، ومساعدات صحية مثل تطعيم “كوفيد19” وبرامج دعم الموازنة ومشروعات مبرمجة، كل ذلك الآن غير موجود بل مجمد تماماً، إذن الحكومة الحالية لم تستطع أن تحافظ على ما حققته الحكومة السابقة من مكاسب، بل إن الإجراءات التي قامت بها قوضت كل المكتسبات وأرجعت السودان إلى مربع الإنقاذ الأول من العزلة والحرمان.
ـ الحكومة السابقة ألغت الدعم على السلع لكن بالمقابل معدل التضخم واصل الارتفاع وتفاقم.. ما الأسباب وما مصير المعدلات المستقبلية في إطار الإجراءات الاقتصادية التي تتبناها السلطة الحالية..؟
أولاً الحديث عن أن الحكومة السابقة ألغت الدعم، غير دقيق، هي نفذت حزمة من برنامج اقتصادي متكامل يهدف لإحداث إصلاح هيكلي للاقتصاد السوداني، علماً بأنه كان يعاني من خلل كبير جداً في كل معطياته، عجز في الميزان التجاري، كانت صادرات السودان (4.5) إلى (5) مليارات أما قيمة الواردات (10) مليارات بالتالي العجز (5) مليارات، أيضاً كان هناك عجز في ميزان المدفوعات مثلاً، وكانت فوائد الديون المتراكمة لا تقل عن (4) مليارات سنوياً تتضاعف في ميزانية الدولة وتؤدي إلى مزيد من العجر، وعجز كبير في موازنة الدولة ووصلت الاستدانة من النظام المصرفي أكثر من (200) مليار، وزيادة مستمر في التضخم.
ثانياً الرفع الجزئي بدأ في المحروقات وأدى إلى استقرار في الإمداد من ناحية واستقرار في الأسعار من ناحية أخرى، هذه الخطوة شجعت الدولة على تأسيس برنامج متكامل للإصلاح الاقتصادي، وقد ساعد على التراجع الذي حدث في التضخم وتحسن واستقرار سعر الصرف، ليس صحيحاً أن التضخم في الخمسة أشهر الأخيرة من عمر الحكومة الماضية كان يشهد ارتفاعاً في معدلاته، بل العكس تماماً انخفضت المعدلات وتراجع الدولار، كان المغترب يفضل تحويل العملة الحرة في البنك لأن سعر البنك كان أعلى من سعر السوق الموازي، بالتحديد التضخم بدأ في الزيادة بعد قفل الميناء لأن ذلك تسبب في الندرة لبعض السلع وزيادة للأسعار بالتالي زيادة التضخم، الآن لا نتحدث عن التضخم وإنما انفلات كامل، وما حدث من بصيص الأمل فيما يتعلق بالزيادات المستمرة المتوقعة في النمو الاقتصادي تراجعت إلى النمو السالب، كذلك الزيادات في الإنتاج تراجعت وبعضها توقف، أيضاً الزيادات في معدل التحسن في الأداء الاقتصادي بدأت تتراجع خاصة الصادر بسبب العجز في إيرادات الدولة ونفقاتها والتخبط الذي يحدث الآن.
ـ قوات الدعم السريع بالإضافة إلى كونها قوة عسكرية هي أيضاً أصبحت قوى اقتصادية لها نفوذها واستثماراتها في السوق.. برأيك كيف سيؤثر ذلك على عمليات الدمج في جيش واحد كما يطالب البعض..؟
البدعة الخاصة بالقوات الموازية أو الداعمة للقوات المسلحة وقيامها باستثمارات معظمها في القطاع التجاري والصناعي الذي ينافس القطاع الخاص، هذه البدعة لا توجد في العالم في أي جيش من الجيوش، ما يوجد هو صناعات تقوم الدولة بدعمها بقوة وهي في الغالب صناعات إستراتيجية وعسكرية ومتعلقة بمهمة الجيوش، أما ما تقوم به القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع وغيرها من المليشيات بالمتاجرة والمزارعة والاستصناع في عدد من المجالات التي هي من صميم عمل القطاع الخاص، ينافي تماماً الغرض الأساسي الذي من أجله أنشئت هذه القوات أو الجيوش، ونلاحظ أن عائدات هذه الاستثمارات لا تدخل موازنة الدولة ولا تستفيد منها وزارة المالية. ينبغي أن تكون هذه الاستثمارات تحت ولاية وزارة المالية مع التأكيد على دعم صناعات المنظومة الدفاعية.
قطعاً، استثمارات قوات الدعم السريع ستخلق مشكلة كبيرة جداً إذا ظلت قائمة في حال دمج هذه القوات في الجيش وتحت قيادة موحدة، لأن بقاء هذه الاستثمارات دون إيجاد معادلة للمعالجة سيؤثر على بقاء هذه القوات المسلحة موحدة. ينبغي أن تجد الدولة معادلة لمعالجة الاستثمارات كافة سواء كانت استثمارات القوات المسلحة أو الدعم السريع أو الحركات المسلحة ووضعها تحت رعاية الدولة والاستفادة من عائدها في بناء جيش قومي عالي التأهيل.
ـ خلال الأسابيع الماضية سجل قائد الدعم السريع زيارة إلى موسكو.. كيف تقيم منتوج هذه الزيارة اقتصادياً وهل تمتلك روسيا القدرة على تعويض فاقد الدعم الأوروبي والأمريكي ومؤسسات النقد الدولية..؟
في التاريخ المعاصر ومنذ حقبة الخمسينيات والستينيات والحقبة المايوية، الدور الروسي في السودان ينحصر فقط في الدعومات المتعلقة بالعتاد العسكري والجوانب اللوجستية في التدريب، لكن في الجوانب الاقتصادية روسيا ليس لها دور كبير في التنمية، بالإضافة إلى أن توقيت الزيارة خاطئ للغاية، لأن الصراعات التي تدور بين الدول الكبيرة، تلتزم فيها الدول الراشدة جانب المصلحة العليا وهذه المصلحة تقتضي على السودان الذي خرج من نظام قابض أنهك وعزل البلاد لثلاثة عقود، الابتعاد عن الانحياز للمحور الروسي. الاعتماد على موسكو في دعم الاقتصاد وهم لن يتحقق، ولنا أن نتعظ بموقف دول ساعدت بدعم هذا الانقلاب مثل دولة الإمارات ومصر وإلى حد ما السعودية، عندما فاضلت بين مصلحتها العليا وقفت ضد غزو روسيا لأوكرانيا، وهذا المنطق عقلاني لأنها رجحت جانب مصالحها.
الموقف السياسي الذي التزمت به الدولة لن يحقق أية مصالح، ولن يعوض أي فاقد للدعم الأوروبي والأمريكي خاصة المؤسسات النقدية الدولية التي يدين لها السودان بقرابة (65) مليار دولار التزمت المؤسسات المالية الغربية بإعفاء (42) ملياراً منها، بينما ديون روسيا على السودان لا تتعدى (13) مليون دولار، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون المصلحة في الوقوف مع الجانب الروسي. السودان يحتاج أن يخلق علاقات متوازنة وتقدير المصلحة العليا، ونلتزم جانب كوننا دولة دون الوسط أو في القاع ولنا مشاكل تشيب الرأس، وهذا يتطلب العمل بالمثل العامي (نمشي في ظل الحيطة).
ـ كيف ترى مستقبل تنفيذ اتفاقية سلام جوبا في ظل الظروف الاقتصادية الحالية..؟
أكبر نجاح لثورة ديسمبر هو توقيع سلام في جوبا مع جزء كبير من فصائل الحركات المسلحة، لكن السلوك الذي أظهرته بعض هذه الحركات بتغليب المنفعة الذاتية من هذا السلام وفي جوانب متعلقة بزيادة العدد في قواتها والتجنيد من الداخل، كان أمراً غريباً وأدى إلى انتكاسات خاصة في ظهور التفلتات وحالات السيولة الأمنية.
اتفاقية السلام في مجملها حققت استقراراً نسبياً في الصراع الذي كان يدور بين الدولة وبين هذه الفصائل، وفي السياق يحمد أيضاً لحركتي “عبد العزيز الحلو” و”عبد الواحد محمد نور” قرارهما بوقف إطلاق النار لمواصلة النقاش حول السلام.
الاتفاقية بدأ المجتمع الدولي بدعمها وقد خصص أموالاً لإعادة توطين النازحين بنحو (250) مليون دولار مقدمة من البنك الدولي، كما أجازت الحكومة في موازنة 2022 بعض البنود المتعلقة بمتطلبات السلام، لكن أعتقد أن الاستقرار الحقيقي لاستدامة السلام مرتبط بالمناخ الإيجابي والداعمين الأساسين الذين رعوا هذا السلام، إلا أن الانقلاب الذي شاركت فيه هذه الفصائل قطع الطريق على كثير من الدول التي كانت متحمسة للدعم، وأصبح من الصعوبة بمكان الآن أن تجد دولة تدعم السودان في هذه المرحلة الحالية ما لم يكن هناك استقرار سياسي وتحول ديمقراطي حقيقي.
ـ أخيراً .. إلى أي مدى يمكن أن يصمد هذا الانقلاب في ظل التدهور الاقتصادي..؟
السؤال يجب أن يكون متي يعي منفذو الانقلاب حجم الخسائر التي عادت على السودان بسبب إجراءاتهم؟ أعتقد أنه آن الأوان لاتخاذ خطوات عملية في إيجاد مخرج للبلاد، حتى ولو أدى ذلك إلى التنحي الكامل عن المسرح السياسي لكل الموجودين في الساحة السياسية.. عندما رأى حمدوك أنه ليست هناك إمكانية للاستمرار في ظل الظروف الحالية تنحى عن المسرح وتنحى معه وزراء الحرية والتغيير، الآن يجب على العسكريين والمدنيين والحركات المسلحة الداعمة للانقلاب، تغليب المصلحة العليا وليس المصالح الخاصة المرتبطة بالوظيفة، التي تقتضي أن نعلي قيمة الوطن وأن نسعد هذا الشعب العظيم الذي يستحق أن يخرج من حالة إدمان الفشل والإحباط التي ظل يعيشها منذ الاستقلال.