الخرطوم- سودانية 24
أثارت حادثة مقتل ثائر على يد أحد ضابط الشرطة بالخرطوم، أمس (الثلاثاء)، ردود فعل غاضبة وسط السودانيين والأحزاب والكيانات الثورية والحقوقية، وقد عبر بعضهم بإدانته للجريمة من خلال إصدار البيانات الناقدة، في حين أعلنت تنسيقيات لجان المقاومة التصعيد الثوري المفتوح اليوم وغداً (الخميس).
وقتل الثائر إبراهيم مجذوب، أثناء مشاركته في مواكب شرق النيل ضمن مليونية “ختام المهزلة” التي شهدتها الخرطوم أمس، ووثق فيديو متداول لحظة قنص الشهيد من قِبل أحد ضباط الشرطة الذي تفوه بكلمات نابية قبل أن يطلق الرصاص عليه ويرديه قتيلاً مع إصابة شخصين آخرين. الفيديو وثق كذلك تدافع أفراد الشرطة نحو المتظاهرين ومساندة الضابط المعتدي، قبل أن يصل رفقاء الشهيد ويحاولون نقله إلى المستشفى وهم في حالة بين الصدمة والصراخ.
وسارعت عدد من القوى السياسية بإصدار بيانات إدانة لمقتل الثائر “إبراهيم مجذوب”، وشملت القائمة القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، بالإضافة إلى إصدار بيانات منفردة لقوى الحرية والتغيير وحزب الأمة. الحزب الشيوعي بشرق النيل هو الآخر أدان الحادثة وحمّل المسؤولية الكاملة للسلطة الانقلابية، مبيناً أن نهجها يغلب عليه العنف والحلول الأمنية في مواجهة الثوار، الأمر الذي يؤكد أنَّ مشروع التسوية السياسية التي تحاول القوى الانقلابية وحلفاؤها الإقليميون والدوليون تمريره، لا يمكن أن يكرّس لقيام دولة مدنية ديمقراطية.
البعثة الأممية لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “اليونيتامس”، تأسفت هي الأخرى لوفاة ثائر، ونددت باستخدام الذخيرة الحيّة ضد المتظاهرين، وأكدت أن ذلك أمر غير مقبول ويتعارض مع التزامات السودان المتعلقة بحقوق الإنسان.
ودعت البعثة إلى إجراء تحقيق سريع وشفاف حول هذه الوفاة وجميع انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في سياق الاحتجاجات منذ (25) أكتوبر 2021م، ومحاسبة المسؤولين عنها.
بدورها، أقرت رئاسة الشرطة بأن القاتل أحد أفرادها وأنها قد اتخذت الإجراءات القانونية حياله، مؤكدة في الوقت نفسه أن ما صدر منه سلوك شخصي وتصرف مرفوض ومخالف لموجهاتها بعدم التعقب أو المطاردة أثناء تعامل القوات مع المتفلتين الذين يستغلون الحراك لإحداث فوضى.
بالتوازي، وجد بيان الشرطة والجزئية التي أوردتها بأن القتل كان نتيجة سلوك فردي، انتقادات لاذعة من ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ذهب الغالبية بالقول إن الجرائم المرتبكة ضد المتظاهرين السلميين لم تكن على الدوام أخطاء فردية أو تصرفاً شخصياً، قائلين إن خلف كل قاتل أطلق النار قائد عزز الجريمة بتسليح القوة بأسلحة قاتلة، وآخر شجع على الجريمة بتحفيز القوة وتكريمها عقب كل عملية فضِّ حراك سلمي.
وأكدوا أن الجرائم المرتكبة في حقِّ المتظاهرين ممنهجة بالقدر الكافي، بحيث تعددت أساليب القتل وعدد الشهداء والمصابين وأماكن القتل وتجاهل المحاسبة، واستدلوا ببعض الفيديوهات الأخرى التي وثقت لحظات لاغتيال المتظاهرين وإطلاق الرصاص عليهم، ولم تتخذ السلطات أي خطوات في مواجهة المجرمين أو توقف التسليح والاعتداءات المشابهة.
من جانبهم، قال خبراء قانونيون ومحامون، إنّ هذه الواقعة مثبتة، وإن المدخل لبناء الدولة السودانية يمر عبر ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب وتعريض جميع المتهمين بارتكاب جرائم ضد المتظاهرين للمحاسبة والمحاكمة، وانتقدوا مواقف النيابة والقضاء ولجنة التحقيق في فضِّ اعتصام القيادة العامة.
ووصف الخبير القانوني، سيف الدولة حمدنا الله، النيابة بالضعف بحيث أنها عجزت في أن تختصم الأشخاص الآخرين الذين تقع عليهم المسؤولية القانونية عن جرائم القتل والانتهاكات الجسيمة بالامتناع عن إيقافها، ويشمل ذلك مديري الشرطة المتعاقبين، ومديري شرطة المحليات والوحدات المختصة، والضابط الأعلى على رأس القوة التي وقعت على يد أحد أفرادها هذه الجرائم.
وفي سياق متصل، أعاب “حمدنا الله” على لجنة التحقيق في فضِّ الاعتصام زعمها دون أساس، بضرورة أن يقوم خبراء أجانب بفحص المقاطع المصورة لجرائم القتل والانتهاكات كشرط لقبولها، مشيراً إلى أن ذلك أسهم في إفلات مئات المجرمين، وقال: “في أوروبا وأمريكا، بلاد منشأ التكنولوجيا تأخذ المحاكم بالمقاطع المصورة عن طريق الهاتف وتلك المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي كدليل على حدوث الجرائم وتؤسس عليها قرار الإدانة والبراءة في جرائم القتل وما دونها”.