الخرطوم- سودانية 24
المصير المجهول هو بالضبط ما ينتظر حوالي (1300) طالب وطالبة، بعد أن قررت سلطات التعليم -ومع مطلع العام الدراسي الجديد- تجفيف إحدى مدارس العاصمة الخرطوم، وإرجاعها بكل أصولها إلى منظمة كانت صودرت كل ممتلكاتها في وقت سابق لارتباطها مع النظام البائد.
علامات الغضب بكل ضجرها، ارتسمت على ملامح “فيصل السر” أحد أولياء طلاب المدرسة الذي استهجن القرار واعتبره غير مسؤول ولا يعقل أن يصدر من وزارة تربية، لكنه عاد وتساءل بعد تنهيدة وأنفاس ساخنة قائلاً: “دا تصحيح مسار الثورة ولا عودة للفلول وتمكينهم وإعادة تشريد الشعب السوداني”.
تفاصيل القصة تعود إلى مدارس “نور القرآن” في حي جبرة جنوب الخرطوم، التي أصدرت إدارة التعليم الولائية قراراً بإرجاعها إلى منظمة الإيثار الخيرية، بعد أن كانت قد صادرتها لجنة التفكيك وإزالة التمكين قبل عامين، سكان الحي وأولياء أمور الطلاب يقولون إن المدارس أُنشئت على أرض مخصصة للخدمات بحسب الخطة الإسكانية، وأن المنظمة سطت عليها دون وجه حق.
المدارس تقع على مساحة أرض واسعة مبنية على الطراز الحديث ومطلة على شارع زلط رئيس، تتكون من نهرين، طلاب وطالبات لمرحلتي الأساس والمتوسطة، نالت المدارس بعد استردادها وتحويلها إلى حكومية دعماً بقيمة (500) ألف جنيه، ضمن المنحة المقدمة من البنك الدولي لدعم التعليم مكّنها من شراء ماكينة طباعة وتصوير حديثة، في آخر نتائج دراسية حازت المدرسة على درجات متقدمة في التفوق.
تقول “نازك الطيب” ـ سكرتيرة لجان الخدمات والتغيير بالحي ـ طوال العامين الماضين كانت المدرسة تعمل وفق الإطار الحكومي، بعد الانقلاب وتغيير وزير التربية والتعليم وإدارة التعليم الولائية، تم إيقاف مديرة المدرسة كما طُلب من الوكيلة مع بداية العام الجاري تسليم المدارس إلى أفراد محددين يتبعون لمنظمة الإيثار، بعدها تم تجفيف كامل للمدرسة ونقل للمعلمين.
وتضيف: “الآن لا يوجد بها سوى “غفير” يخبر الطلاب وأولياء أمورهم بألا تسجيل هذا العام وأن المنظمة قررت إيقاف الدراسة للصيانة.
وأردفت: “المدارس في الأساس قامت على أرض خدمات وهي تغطي أكثر من 7 مربعات بالحي، لا توجد بها أي مدرسة حكومية. في بداية عملية التجفيف خاطبنا وزير التعليم باعتراض مكتوب استلمه مدير مكتبه لكن لم نتلق ردّاً حتى اللحظة”.
تتأسف “نازك” للطريقة التي تعاملت بها إدارة التربية وعدم اكتراثها لمصير هؤلاء الأطفال الذين لا تستطيع أسرهم نقلهم لأيِّ من المدارس الخاصة، نسبة لارتفاع رسوم التسجيل وحالة الضيق المعيشية العامة التي يشكو منها الجميع.
بالرجوع إلى قرار وزير التربية نكتشف أنه صدر تحت توقيع المدير العام قريب الله محمد أحمد، وأوضح فيه أنه استندت في أيلولة المدارس للمنظمة على فتوى من رئيس الإدارة القانونية بولاية الخرطوم، كان ذلك الإجراء قبل أشهر، وتحدث بعض القانونيين آنذاك أن هذا القرار معيب ويخالف لقانون التفكيك، الذي استرد المدارس وحدد سلفاً درجات الاستئناف التي ليس من بينها فتوى من الإدارات القانونية بالسلطة التنفيذية.
وللمفارقة أنه وقبل أيام فقط أصدرت المحكمة العليا قراراً باسترداد أصول ومزاولة منظمة الإيثار للعمل وعدد من المنظمات التي كانت ترتبط بالنظام البائد.
وفي تعليقها على قرار المحكمة العليا، كشفت لجنة التفكيك وإزالة التمكين المزيد من التفاصيل عن منظمة الإيثار ورفيقاتها، إذ قالت في بيان، إنها منظمة استولى عليها المكون العسكري بعد سقوط النظام في 11 أبريل 2019م، وأنها تحوز على عدد ضخم من الممتلكات منها على سبيل المثال جميع المتنزهات في العاصمة والأقاليم (متنزه الدوحة، متنزه شرق النيل…ألخ)، كما تمتلك عدداً ضخماً من العقارات والشركات العاملة في السياحة والفنادق والطرق والجسور والمدارس الخاصة وغيرها.
وأشارت إلى أن ملف منظمة الإيثار الخيرية ظل أحد الملفات التي كانت محل صراع بين لجنة التفكيك والمكون العسكري، حيث حجزت اللجنة على جميع أصول المنظمة ومنعت التصرف فيها، كحال عدد من الملفات مثل مشروع زادنا وسين للغلال.
وترى لجنة التفكيك السابقة، أن إعادة تسجيل منظمة الإيثار وغيرها من المنظمات، يؤكد أن سلطة الانقلاب قد أخذت قرارها بإعادة عقارب الساعة لثلاثة عقود للوراء، وتوقعت رفض الناس لتلك القرارات ومقاومتها.
وفي السياق، قالت “نازك”: “بعدما بدأنا نأمل في عودة وتأهيل التعليم الحكومي، عاد فلول النظام السابق مع الانقلاب ورجعت كل ممتلكات الدولة للأفراد ضاربين الحائط بآمال ورغبات الشعب السوداني”.
“فيصل السر” الذي تعالت نبرات غضبه وهو يتحدث لـ”سودانية 24″، قال: “أنا ولي أمر طالبين في المدرسة تفاجأت قبل أيام قليلة بتجفيف المدرسة لا أمتلك أي مبلغ لتسجيلهم في مدرسة خاصة أو تحويلهمم إلى مدرسة حكومية بعيدة عن الحي وتحمل كُلفة الترحيل”.
وتابع: “إدارة التعليم لم تبين حتى اللحظة ما مصير طلاب هذه المدارس، اكتفت فقط بالإشارة إلى أن من يريد شهادات القيد للنقل الحضور إلى مكتب التعليم بالمحلية”.
لجان المقاومة ولجان الخدمات والتغيير، تتفق على الحيثية التي ترى أن المنظمة قامت بالاستيلاء على المدارس والأرض سلفاً بطريقة غير قانونية ودون استشارة وموافقة أهالي وسكان المنطقة، وتستعد لتنفيذ وقفة احتجاجية غداً الإثنين في مباني المدارس رفضاً على قرار التجفيف والأيلولة وللمطالبة بفتح أبواب التسجيل مجدداً.
أحد أفراد المقاومة، قال: “خيارات التصعيد لاسترداد الحقوق مفتوحة وكثيرة منها الاعتصام مع الطلاب داخل المدارس حتى تُوفي الوزارة بالتزاماتها وتُستردُ الحقوق”.