الخرطوم- محمد الأقرع
من المتوقع أن تنطلق الأربعاء المقبل، المفاوضات المباشرة بين أطراف سياسية وعسكرية ضمن المبادرة التي تُسهِّلُها الآلية الثلاثية: “يونيتامس، الاتحاد الأفريقي، إيقاد”، وذلك للوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ يخرج البلاد من الأزمة التي تعيشها عقب انقلاب (25) أكتوبر، ويعيد الأوضاع إلى المسار الانتقالي وتمكين الحكم المدني.
وتأتي هذه الخطوة وسط حالة ضبابية عامة تكتنف المشهد أو إجراءات العملية التفاوضية، من حيث طبيعة الأطراف ومواقفها، وتراتيبية الأجندة والأولويات، بالإضافة إلى مستقبلها في ظل مقاطعة قوى ثورية فاعلة على الأرض وتنادي بالتغيير الكامل غير الخاضع لأي مساومات.
والظاهر أن هناك مشكلة رئيسة في مسألة تحديد أطراف العملية التفاوضية، هناك مثلاً من يطالب بأن يقتصر التفاوض على القوى الموقعة على الوثيقة الدستورية، بينما يريد البعض الآخر توسيعها بحيث تشمل “طرقاً صوفية، إداراتٍ أهلية، وأحزاباً شاركت النظام البائد حتى سقوطه… ألخ”. في السياق، اقترحت قوى الحرية والتغيير تحديداً دقيقاً لتوصيف الأطراف، فهي ترى أن الأزمة السياسية ليست بين المدنيين أنفسهم وليست بين المدنيين والعسكريين على الإجمال، وتعتقد أن أطراف الأزمة الحالية هم معسكر الانقلابيين من جهة سواءً كانوا عسكريين أو مدنيين والطرف الآخر هو القوى المناهضة للانقلاب المتمثل في قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وقوى الكفاح المسلحة الموقعة وغير الموقعة على اتفاق جوبا والتي ناهضت الانقلاب قولاً وفعلاً، بالإضافة إلى القوى السياسية والمدنية التي كانت جزءاً من الحرية والتغيير حتى (11) أبريل 2019م، وخرجت لاحقاً.
ويشار أيضاً إلى أن رؤية الحرية والتغيير تعالج مسألة الأطراف على مستويات، مرحلة إنهاء الانقلاب تقتصر بين المكون العسكري والقوى المناهضة له، أما مرحلة التأسيس الدستوري الجديد للفترة الانتقالية يشمل الطرفين السابقين، بالإضافة إلى حركات الكفاح المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، كما تقترح أن تكون المشاركة أوسع في المرحلة الثالثة المتعلقة بالتأسيس الجديد للمسار المدني والديمقراطي التي تقود إلى المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية.
يقول متابعون إن الاختلاف حول أطراف التفاوض مسألة لا تنحصر بين القوى الداعمة للانقلاب أو المناوئة له، بل تتمدد حتى داخل الآلية الثلاثية نفسها، فهي منقسمة على ذاتها حول هذا الموضوع، رغم إنها في مشاوراتها كانت قد التقت الجميع، إلا أن من بينهم من يعتقد أن الخطوة التي يجري الإعداد لها بالتفاوض المباشر من المفترض أن تشمل الموقعين على الوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا.
ولعل هذا الاتجاه ما دفع في الفترة الأخيرة لتحرك مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة للتصعيد ضد البعثة الأممية، ورئيسها “فولكر” لضمان شمولهم في عملية التسوية الجديد. وقد صرح مجلس البجا بذلك مهدداً قبل أيام، إذ قال عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” -قبل أن يلتقي مؤخراً بالآلية الثلاثية- إنهم لن يسمحوا بأي إقصاء لشرق السودان في أي تسوية سياسية، وإن ذلك سيكون له عواقب وخيمة على السودان كافة.
وتكمن خطورة الأطراف المتعددة أو حصرها لدى القوى السياسية والعسكرية في مسألة تمرير الرؤى والأجندة، لذلك تجد أنها نقطة وجدت جدلاً واسعاً، وبحسب مصادر قد تلجأ الآلية الثلاثية في اجتماعاتها، الأربعاء، إلى أسلوب المنصة مع تحديد تسعة مراكز تشمل الأطراف، إذ يقوم أيُّ طرف بتقديم رؤيته، وقد يفتح الباب حتى للقوى الرافضة للتسوية لتقدم أطروحاتها، ومن ثم تلخيص النتائج وتمريرها عبر المزيد من الضغط الدولي.
التسوية المزمع التوصل إليها تدور في نقاط محددة حسب الأسئلة التي كانت طرحتها الآلية الثلاثية على الأطراف المختلفة والتي دارت في (هياكل السلطة وكيفية تكوينها، الوضع الدستوري الحاكم للانتقال -العودة للوثيقة الدستورية أو تعديلها، أو تأسيس دستوري جديد ـ وضعية القوات المسلحة والترتيبات الأمنية).
الملاحظ أن هناك تبايناتٍ في العديد من الرؤى والمواقف. لكن بالمقابل هناك اتفاق كبير مثلاً حول تكوين مجلس الوزراء، فقد اتفقت العديد من الأطروحات المعلنة حتى الآن في نقطة حكومة الكفاءات المستقلة، لكن ذلك يصطدم كما يقول متابعون بمحاصصة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا والتي ستكون مثاراً لجدلٍ طويل، أيضاً هناك اتفاق حول ضرورة وجود جيش واحد بعقيدة عسكرية جديدة وذلك أيضاً سيكون في مواجهة مع رغبات الدعم السريع في التمدد وعدم الدمج.
وفي سياق الرؤى، هناك حديث عن مجلس سيادة تشريفي، وحديث عن مجلس أمن ودفاع يضم القوات النظامية والحركات المسلحة ووزراء من الحكومة المدنية، لكن تكمن الاختلافات حول رئاسته. الحرية والتغيير مثلاً تقترح أن تكون تابعة لرئيس الوزراء، بينما رشحت أنباء بأن المكون العسكري يطالب برئاستها، وإضافة بنك السودان ووزارة الخارجية ضمن الجهات المشرف على إدارتها.
ويبدو أن من التحديات الكبرى التي ستواجه عملية التسوية السياسية ومصير قبولها لدى قطاع واسع في الشارع، هو مصير قادة الانقلاب، بالإضافة إلى ملف العدالة الذي يعتبر المحرك الأساسي للاحتجاجات المستمرة منذ (25) أكتوبر وبدونها قد يلاقي الاتفاق ـ في حال التوصل إليه بين القوى المتحاورة ـ نفس مصير اتفاق “حمدوك” السابق. وعلى ذات النحو كان قد قال المبعوث الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، إن أي مبادرات سياسية يجب أن تقوم على حقوق الإنسان، وإذا أريد لها النجاح أن تشمل العدالة والتعويضات للضحايا ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات.