الخرطوم- سودانية 24
أثار بيان الشرطة، أمس، حول التظاهرات التي شهدتها الخرطوم وعدد من مدن السودان المختلفة ردود أفعال واسعة بين القوى السياسية ولجان المقاومة والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وصفه الكثيرون بالخطير وعدوه مقدمة لأعمال عنف وقمع متوقع ضد المتظاهرين في حراكهم المستمر لتحقيق الدولة المدنية، مع منح تبرير مسبق لقتلهم.
وكانت الشرطة قد أصدرت بياناً، (الثلاثاء)، عقب احتجاجات واسعة شهدتها البلاد تطالب بالحكم المدني في ذكرى قرارات قائد الجيش، قالت فيها إنها واجهت قوات مدربة بتشكيلات عسكرية مسلحة تتبنى العنف والتخريب بزي موحد لكل مجموعة (فنايل – خوز- كمامات قفازات- نظارات) ويحملون أعلاماً حمراء وصفراء وسوداء وخضراء.
وناشدت الشرطة وزارة العدل والجهاز التشريعي فرض إجراءات استثنائية، لتتمكن من مواجهة تلك الجماعات لحسم الفوضى وبسط هيبة الدولة وإحكام سيادة القانون حفاظاً على أمن البلاد.
وأشار ائتلاف قوى الحرية والتغيير في تصريح صحفي، إلى أن البيان الذي أصدرته الشرطة، أمس، بمثابة تهديد واستمرار للعنف والتبرير له، موضحاً أن الحديث عن الجهاز التشريعي هو طلب لاستصدار قرارات من داخل سلطة الأمر الواقع لمنحهم ضوءاً أخضر لرفع وتيرة العنف والإفلات من العقاب.
وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير: “من أسوأ ما يمكن أن يفعله فرد أو مؤسسة، هو أن يتمادى ويقتحم مشاعر الحزن والأسى- التي تسبب فيها- بخطاب كوميدي بائس يتجافى عن الحقائق ويفتقر إلى التماسك، وذلك بالضبط ما فعلته قيادة الشرطة عبر بيانها الأخير”.
وأضاف عبر تدوينة له على (فيسبوك): “الشرطة لم تبدِ في البيان أي اكتراث لموت الفتى الشهيد قاسم أسامة الذي قضى نحبه هساً بإحدى سيارات الكجر، ولم تكترث للدم الذي تدفق من شرايين العديد من الجرحى جراء القمع المفرط الذي مارسته ومعها بقية الأجهزة الأمنية، ولكنها مع كل هذا الدم المسفوح طلبت فرض إجراءات استثنائية تتيح لها ممارسة المزيد من القمع الدموي!”.
من جانبه، ذهب المحامي سمير شيخ إدريس، إلى أن البيان ظاهرة جديدة في العمل الشرطي يمكن الاصطلاح على تسميتها بـ(التجريم بالنظر)، فهي المرة الأولى التي يتحدث فيها جهاز شرطي عن جريمة بمجرد الوصف دون تقديم مضابط ومحاضر محكمة من واقع تحريات وتحقيقات ضافية قامت بها أجهزتها المختلفة، وتم قبض مرتكبيها وتوجيه الاتهام لهم ومن ثم تقديمهم للعدالة.
وقال “شيخ إدريس”: “الواقع، ذات المضابط الشرطية التي قامت باعتقال المتظاهرين طيلة العام السابق، أثبتت أنهم مجموعة من اليفع بينهم عدد مقدر من الأطفال القصر يتم تقييد بلاغات في مواجهتهم تحت المادتين (69 و77) من القانون الجنائي تتعلق بالشغب والإخلال بالسلامة العامة، بينما خلت مضابط الاتهام من أي معروضات تتعلق بأي من أنواع الأسلحة أو الرايات الواردة في البيان”.
وتابع: “في ختام البيان صرحت الشرطة عن سبل مواجهتها لتلك المجموعات، بمناشدة قادة الحراك والتنظيم الحزبي تحديد موقفهم من هؤلاء الذين يدعمون التفلت والخراب وتدمير الممتلكات وزعزعة الأمن، وكأنما القضية إجراء صلح، فالشرطة وفقاً لكل القوانين والأعراف لا تناشد حيال الجريمة بل تتخذ واجبها بالضبط والقبض والتحري وتقديم الجناة للعدالة، سيما أن الجرائم التي وصفتها من الفداحة التي تتطلب ضبطاً شرطياً حاسماً”.
وأوضح أن المطالبة بفرض إجراءات استثنائية وتقديم الجناة للعدالة الناجزة والمحاكمات الإيجازية أمر يدعو للاستغراب، لأنه وفقاً للقانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية والقوانين الجنائية المكملة، فإن الجرائم التي ذكرتها منصوص عليها في مواد القوانين الجنائية ولا تحتاج إلى جهد وزارة العدل لإصدار تشريعات استثنائية، فهذه الجرائم المتعلقة بحيازة الأسلحة والمخدرات وغيرها يتم قبض مرتكبيها يومياً بواسطة الشرطة، وأردف متسائلاً: “فما الذي جد على الأمر لجعله استثناء؟”.
وأكد المحامي أن الوصف الذي ذكره بيان الشرطة ينطبق مؤكد ليس على المتظاهرين بل هي أوصاف وأساليب أجهزة العصابات المتفلتة المسماة بـ”تسعة طويلة”، وقال: “كان أجدى بالشرطة طلب الإجراءات الاستثنائية في مواجهتها بعد القيام بواجبها في حفظ أمن المواطنين من جرائمهم”.
الروائي “حمور زيادة” علق على البيان قائلاً: “من المدهش أن يموت متظاهر سلمي، وتصدر الشرط بياناً يحتج ضد تكتيكات التظاهرات بعد يومين من اقتحام مخزن عسكري وسرقة أسلحة في النيل الأزرق!”، وتابع: “لم تستطع الأجهزة الأمنية حماية السلاح العسكري ولم تطالب بصلاحيات استثنائية لحماية مخازنها أو حماية (200) مواطن قتلوا في الدمازين، لكن تطالب بذلك لمواجهة تظاهرات سلمية في الخرطوم قتلت فيها متظاهراً في أم درمان”، وزاد: “أفزعها أن المتظاهرين يحملون درقات لحماية أنفسهم”.
وفي سياق ردود الفعل، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ظريف لمتظاهرين يقومون بالتزحلق على لعبة للأطفال خلال مليونية أمس قبالة مبنى البرلمان بأم درمان، وأبدى الكثير من المتداخلين سخريتهم من بيان الشرطة، كذلك دعا بعض قيادات المقاومة إلى تنظيم مواكب مناوئة خاصة لرفع الأعلام الحمراء والصفراء والسوداء والخضراء.