الخرطوم- سودانية 24
خيبة أمل أصابت العاملين في الخدمة المدنية عقب الزيادات الأخيرة التي أقرتها وزارة المالية هذا الشهر، فالكثير من موظفي دواوين الدولة أبدوا استياءهم الشديد لحجم الزيادة واعتبروها لا تتماشى مع الأوضاع المعيشية، في حين لوحت بعض الأجسام النقابية المطلبية بالتوقف عن العمل والدخول في إضراب مفتوح.
وباشرت وزارة المالية، أمس الثلاثاء، صرف مرتبات للعاملين بزيادة الحد الأدنى للأجور من (3) آلاف إلى (12) ألف جنيه. وكان ديوان شؤون الخدمة المدنية قد ألغى الهيكل الراتبي للأجور الموحد للعام 2020م واعتمد هيكلاً راتبياً جديداً، مع الإبقاء على حساب العلاوات الشهرية والبدلات السنوية والحوافز والمكافآت وفق الجدول القديم.
وتراوحت قيمة الأجر الأساسي بالجدول الراتبي الجديد ما بين (96) ألف جنيه للقطاع الأول و(12) ألف جنيه للدرجة الـ(17)، في حين وصلت قيمة الأجر الأساسي للدرجة التاسعة ـ مدخل الخدمة بالنسبة للجامعيين حملة البكلاريوس ـ (28802) جنيه.
وقال عاملون بالدولة، إن هذه الزيادة تعتبر زهيدة مقارنة بارتفاع الأسعار والإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة بتحرير سعر الوقود وزيادة تعرفة الكهرباء. ويرى “عبدالله آدم حسين” ـ موظف ـ أن هذه الزيادة لا تكاد تفي بمتطلبات الأسرة لأسبوع واحد، مشيراً إلى أن غالبية الموظفين بالفعل أصبحوا يعملون بمهن إضافية خارج الدوام لزيادة الدخل.
وعلى ذات النحو، مضى زميله “يونس الحاج” قائلاً: إن الزيادة لا توفر الخبز لأسرة مكونة من (5) أشخاص لمدة شهر، وكشف عن أن هناك مؤسسات صرفت للعاملين مرتبات وفقاً للهيكل القديم بحجة عدم حساب الزيادات.
ويشار إلى أن الحكومة الانتقالية كانت قد طبقت في العام 2020م زيادة في الأجور من (425) جنيهاً (0،8) دولار في الأسعار الحالية بالسوق السوداء إلى (3) آلاف جنيه (5،7) دولار، بينما وصلت الزيادة بالجدول الراتبي الجديد إلى (12) ألف جنيه (23) دولاراً، لكن في ذات الوقت يرى خبراء اقتصاديون أن الزيادة الأخيرة تتلاشى مقارنة بالتأثيرات الناجمة عن القرارات الاقتصادية برفع الدعم عن الخبز والوقود والكهرباء.
وفي الأثناء، رفضت لجنة المعلمين السودانيين الزيادة الجديدة ولوحت بالدخول في إضراب واتخاذ خطوات تنتزع حقوقهم. وقالت في بيان صحفي، أمس، إنها تقدمت بدراسة وتصور لوزارة المالية بأن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون (21،733) جنيهاً وذلك بناءً على كُلفة المعيشة التي تم الاتفاق عليها وتضمينها في وقت سابق مع مجلس الوزراء. وانتقد البيان، الإبقاء على البدلات والعلاوات وفق الهيكل القديم، ورأت أنه ليس من المنطق التعامل بازدواجية في راتب واحد، معتبراً أن ذلك يعد تحايلاً على العاملين.
وقال البيان، إن الزيادة بعيدة كل البعد حتى عن حد الكفاف ناهيك عن التضخم الذي يمكن أن يصاحب الزيادة، مشيراً إلى أن الزيادة نفسها هي في الكتلة النقدية وليست زيادة وفقاً موارد حقيقية.
وأضاف أن إجازة الهيكل الراتبي الجديد يعتبر دليلاً على فشل الانقلاب في إدارة الدولة، وعلى التخبط والعشوائية التي يدير بها وزير المالية شؤون البلاد. ودعا البيان المعلمين في كل بقاع السودان للاستعداد لتنفيذ خطوات تصعيدية.
ومن جانبه، قال الخبير النقابي محجوب كناري، إنه في ظل غياب النقابات لا معنى للحديث عن هيكل الأجور، لأن الهيكل يتم عبر لجنة ثلاثية يكون فيها ممثلون للعاملين “النقابات”، وأصحاب العمل “الحكومة”، ووزارة العمل “جهة فنية”، مؤكداً أن هذه اللجنة غير موجودة لعدم وجود النقابات.
وأشار “كناري” إلى أن الحكومة تضع الهيكل كما تريد وعبر أشخاص ليست لديهم خبرات فنية.
وعن بيان تجمع المعلمين قال “كناري”: “أوجه اللوم قبل الدخول في التفاصيل إلى زملائنا في لجنة المعلمين، رغم الجهد الذي تبذله في مناقشة قضايا المدرسين والقتال من أجلها، لكن لو بذلت ثلث أو ربع هذا المجهود في تأسيس النقابة لكن أفضل، لأنك حينما تتحدث عن هيكلة الأجور تتحدث عن قضية أساسية تناقش في إطار اللجنة الثلاثية”.
وفي السياق، أوضح أن الهيكل الراتبي لديه أسس وقوانين تبنى عليه، وأن مسألة العلاوة السنوية تحسب أو يتفق عليها بنسبة 5% أو 7% وتكون تراكمية وإذا حسبت بغير ذلك تصبح خاطئة.
وقطع الخبير النقابي، بأن معالجة أوضاع العاملين بزيادة الأجور عملية غير صحيحة، مشيراً إلى أن زيادة الأجور في ظل نظام اقتصادي متهالك ومهترئ تعتريه الفوضى سيؤدي إلى زيادة التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات وابتلاع الزيادة قبل صدورها. وقال إن العلاج في وجود نقابات تقاتل من أجل إيجاد نظام اقتصادي ودولة تهتم بمعيشة المواطن وتقديم الخدمات، بالتالي تبقى مسألة الهيكل الراتبي أو زيادة الأجور ثانوية بالنسبة للقضية الأساسية المتعلقة بالاقتصاد الكلي وإدارة الدولة.