الخرطوم- سودانية 24
ربكة دبلوماسية أفرزتها التصريحات المنسوبة لنائب مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو، أثناء زيارته التي بدأت، أمس الأربعاء، إلى موسكو، والتي أيد فيها خطوات الرئيس الروسي “بوتين” تجاه صراعه مع أوكرانيا، مما دفع الخارجية السودانية لإصدار بيانات النفي والتوضيح.
وعلى حسب ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن “دقلو” تأييداً لخطوات “بوتين” واعترافه بسيادة كل من دونيتسك ولوهانسك. وعن حرب روسيا- أوكرانيا، قال: “نأمل أن يتم حل الوضع سلمياً وأن تتجنب دول العالم الحروب، أما روسيا من حقها أن تتصرف لصالح مواطنيها وتحمي شعبها وهذا حقها بموجب الدستور والقانون”، وأضاف: “أنه يجب على العالم كله أن يدرك أنه من حقها الدفاع عن شعبها”.
ولعل تلك التصريحات وجدت استياءً واسعاً من الناشطين والمهتمين بالشأن الدبلوماسي السوداني، إذ رأى بعضهم أنها إعادة لنفس نهج النظام المباد والذي يترتب عليه مزيد من العزلة الدولية.
وزاد وتيرة الانتقاد، عقب تداول تصريح صحفي، صادر من السفارة السودانية في روسيا، والتي نفت فيه بشكل قاطع قيام “دقلو” الإدلاء بأي تصريحات لأي وسيلة إعلامية حول أي موضوع كان على الإطلاق، مشيرة إلى أن ما تم تداوله في هذا الصدد لا يعدو كونه محض تلفيق واختلاق لا أساس له من الصحة.
وبدوره، فتح ذلك النفيُّ باباً واسعاً آخر من السخرية، خاصة مع وجود “فيديو” حديث يُوثّقُ لتصريحات “دقلو”، ويبدو أن ذلك هو الآخر دفع الخارجية لإصدار توضيحٍ للتوضيح الذي أصدرته لنفي التصريحات، وجاء فيه: “لاحظت الوزارة تداول نصٍّ لتوضيحٍ صحفيٍّ أُشير فيه إلى عدمِ إدلاء نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بأيِّ تصريح أثناء زيارته الحالية لروسيا، وبهذا نؤكد أن هذا النصَّ لم يُعتمد ولم يُنشر رسمياً من قِبلِها هو بالتالي لم يصدر من وزارة الخارجية”.
وأشارت إلى أن التوضيح المعتمد هو الذي أصدرته ونصّ على تفنيد الادِّعاء بأن “دقلو” قد صرح بمساعدة السودان لموقف “بوتين” بشأن اعترافِه بسيادةِ دونيتسك ولوهانسك.
وفي سياق متصل، لم تتوقف تداعيات زيارة “دقلو” عند هذا النحو، فقد تسابق العديد من المراقبين بتدوين تحليل حول أهدافها في هذا التوقيت الخانق على المستوى الدولي والمستوى الداخلي، إذ يقول البعض، إنها تكشف حال الاضطراب الذي تعيشه الدولة السودانية، وتغليب مصالح الأفراد على مصالح الدولة. ويذهب هؤلاء بالقول، إلى أن قائد الدعم السريع يسعى لتوسيع نفوذه الشخصي عبر ضمان المزيد من الدعم لقواته، مما يمكنه من إحكام السيطرة على مفاصل الدولة داخلياً، والحماية الخارجية من أي عقوبات متوقع أن تفرضها عليه أمريكا، والضغط بالدمج في الجيش السوداني. أصحاب هذه الفَرَضية استدلوا بالتحركات الواسعة التي قام بها “دقلو” خلال الفترة القليلة الماضية، حيث سجل زيارات لكل من الإمارات وإثيوبيا وجنوب السودان، بالإضافة إلى تاريخ وطبيعة التعاون بين الدعم السريع وروسيا الرسمية وشركاتها.
ويحتفظ الدعم السريع بعلاقات جيدة مع روسيا منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، حيث تشرف جماعات روسية عسكرية على تدريب القوات الخاصة بالدعم السريع، كما يدور حديث عن علاقات مشبوهة مع شركة “فاغنر” التي توفر له الاستشارة والدعم والتدريب، خلافاً لخبراء تعدين الذهب الذين يعملون معها في مجال التنقيب.
ويذكر أنه في يوليو 2019م، كان قد زار شقيق “حميدتي” قائد ثاني الدعم السريع “عبد الرحيم دقلو” روسيا في زيارة سرية، تحدث الإعلام حينها، عن عقد صفقات لشراء دبابات وطائرات ومقاتلات حربية.
وكشف مصدر مطلع، لـ(سودانية 24)، عن أن تلك الصفقة حقيقة لكنها أُجهضت لاعتراض ضباط كبار في هيئة قيادة القوات المسلحة وقتها، ولم يستبعد المصدر أن تكون هذه الزيارة بغرض إحياء تلك الصفقات، خاصة في ظل النفوذ الكبير الذي حاز عليه “دقلو” خلال الفترة الماضية.
النظر إلى أن زيارة “دقلو” في هذا التوقيت تعتبر اصطفافاً جديداً داخل تحالف الانقلاب الذي يدير شؤون البلاد، أيضاً ألمح إليه بعض المتابعين، الذين يرون أن ذهاب “حميدتي” لوحده وليس غيره من أعضاء المجلس العسكري في وقت يهرب فيه العالم كله من أي صلة مع روسيا الاتحادية نسبةً لحالة الاستقطاب الحاد وقرع طبول الحرب، يعني أن الدعم السريع وحلفاءه من الحركات المسلحة، قد حسموا موقفهم من ملف العلاقات الخارجية، وأوضحوا أن الصراع الدولي وصل إلى نقطة الذروة التي فجرت التناقضات الثانوية داخل مراكز السلطة الانقلابية نفسها، ويحذرون من أن البلاد قد تشهد قربياً مرحلة التحول والانقلاب داخل معسكر الانقلابيين نفسه.