الخرطوم : سودانية 24
في ظل ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازي، قررت السلطة القائمة في السودان، مجابهة المشكلة باستخدام روشتة الحلول الأمنية، إذ أعلن، أمس الأحد، نائب رئيس مجلس السيادة ورئيس اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية محمد حمدان دقلو “حميدتي”، عن اتخاذ تدابير حاسمة من شأنها القبض على المتضاربين في السوق والمتلاعبين بسعر الصرف.
وقال “حميدتي” إن السلطات فعلياً شرعت في القبض على أكثر من (40) شخصاً من كبار التجار المهربين للذهب والمتعاملين بالدولار، مشيراً إلى أن السلطات تسعى للقبض على الممولين الحقيقيين والذين يقفون خلفهم للمضاربة في الذهب.
وأضاف: “ما دايرين زول يهرب لينا جرام وأي زول عايز يستورد سنوفر له العملة للاستيراد ونحدد السلع التي نريد استيرادها”، وأوضح عن فرض رقابة على كل مناجم الذهب والشركات العاملة في البلاد، ومراقبة جميع المعابر وتكثيف عمل القوات المشتركة. وقال: “أعيننا ستكون مفتوحة لمراقبة اقتصادنا الوطني”.
وإلى ذلك، كشفت متابعات “سودانية 24” عن حملات قبض واسعة ومطاردات لتجار الدولار، تقوم بها الأجهزة الأمنية في الخرطوم، ويأتي ذلك في وقت وصل فيه سعر الدولار مقابل العملة السودانية في السوق الموازي إلى حوالي (570) جنيهاً.
وبالمقابل، يشكك خبراء اقتصاديون من جدوى الحلول الأمنية في معالجة مشكلة ارتفاع الدولار أو معالجة الاقتصاد بشكل عام، ويقولون إن المطاردات البوليسية لا تعتبر حلاً جذرياً ولا مرحلياً بل قد تترك آثاراً وظلالاً على جسد الاقتصاد.
ويشار إلى أن روشتة الحلول الأمنية طبقت خلال فترات سابقة منذ أيام العهد البائد الذي وصل لدرجة إعدام أصحاب العملة ومصادرة أموالهم، مروراً بالفترة الانتقالية قبل الانقلاب وكل ذلك للحد من الارتفاع المتزايد في أسعار صرف العملات الأجنبية.
لكن _وبالتوازي_ المؤيدين للحلول الأمنية الحاسمة يقولون إن سوق العملة أصبح مليئاً بالمضاربين والمتلاعبين، الذين ينشطون هذه الأيام لاستغلال الظروف العامة التي تشهدها البلاد لتحقيق مكاسب ذاتية، ويطالب هؤلاء بالحسم.
أما الرافضون للخطوة والمشككون في جدوها، يقولون إن الحلول الأمنية والعنف، قد يجديان في قمع التظاهرات التي تشهدها البلاد لكن في الاقتصاد الأمر مختلف، ويعزو أصحاب هذا الرأي ذلك إلى أن مشكلة الاقتصاد متعلقة بالسياسات التي تتبناها الدولة والظرف العام الذي يعيشه السودان، والذي قاد إلى الانهيار، مشيرين إلى أن الواقع الذي فرضه الانقلاب والاحتجاجات المستمرة وإيقاف الدعم الدولي وضبابية المستقبل، كلها عوامل أدت إلى تراجع العملة المحلية، بينما يصف خبراء الاقتصاد أزمة الجنيه بأنها انعكاس مباشر لعدم مقدرة النظام على زيادة مداخيله الحقيقية أو تخفيض صرفه وتمويل العجز المالي بطباعة العملة.
وفي السياق، قال “مجاهد خلف الله” وزير مالية حكومة الظل بحزب بناء السودان: يروى عن آينشتاين أنه قال عن تعريف الغباء: (هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة)، وأردف: “ما من إجراء لمجابهة تدهور سعر الصرف تكرر أكثر من الحلول الأمنية، فمنذ عهد نظام البشير الديكتاتوري الذي لم يتميز بشيء سوى القبضة الأمنية والتي رغم قوتها فشلت في تحقيق أي نتائج إيجابية أمام هذه المشكلة، وليس ذلك لقصور من الجهات الأمنية، بل لأن المشكلة لم تكن أبداً مشكلة أمنية لتحلها الجهات الأمنية، تدهور سعر الصرف مشكلة اقتصادية لن تكفي جيوش العالم كله لحلها”.
وجزم خلف الله بأن الحلول الأمنية تفاقم المشكلة الاقتصادية والاجتماعية، وقال في إفادات سابقة، إن القبض على تجار العملة هو بمثابة جريمة في حق المواطنين السودانيين، مبيناً أن الجهات الأمنية إذا نجحت فعلاً في القبض على كل تجار العملة في السودان (وهذا مستحيل) ـ حسب قوله ـ مَن سيوفر العملات الأجنبية للمرضى والمسافرين على سبيل المثال، وأجاب قائلاً إن بنك السودان لا يستطيع.