الخرطوم- سودانية 24
تفاقمت الأوضاع بصورة غير مسبوقة داخل مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، ففي الوقت الذي أعلن فيه رئيس المجلس الناظر محمد سيد الأمين تِرك، تجميد أعمال المجلس وتشكيل لجنة تحضيرية لانعقاد المؤتمر العام، كشفت مجموعة من قيادات البجا في بورتسودان عن تكوين هيئة قيادة عليا ورفضت خطوة التجميد التي وصفتها بأنها تندرج تحت المحاولات المستميتة لتنفيذ أجندات مسار شرق السودان في اتفاقية سلام جوبا.
وكان الناظر “تِرك” قد أعلن عقب اجتماع طارئ بمدينة أركويت بشرق السودان، قرار تجميد أعمال مجلس نظارات البجا، طالب فيه -كما أوردت بعض الصحف المحلية- بتسليم كل متعلقات المجلس من أختام وأوراق خاصة بالمجلس إلى أمانتيْ كلٍّ من حكوميْ كسلا والبحر الأحمر، وتشكيل لجنة تحضيرية لانعقاد المؤتمر العام، الأمر الذي أدى بدوره لصدور تصريحات رافضة من التيارات المناوئة، التي وصفت الاجتماع بـ”الأهلي الذي لا يتبع لمجلس النظارات”.
لكن وفي ساعات متأخرة من ليلة أمس، صدر بيان آخر للمجلس نفى من خلاله قرار التجميد، وأكد أنه يباشر أعماله كالمعتاد، إذ أنه كيان قومي مفوض كمؤسسة وليس أفراد، عبر مؤتمر سنكات المصيري، مبيناً أن للمجلس مؤسسات وأمانات ولجاناً مختصة، وهيئة قيادة المجلس هي مَن يحدد الحاجة إلى عقد مؤتمر من عدمها. لكن رأى متابعون أن البيان الأخير مفخخ، وهو صادر من تيار مجموعة بورتسودان ـ بصورة منفردة ـ وذلك استناداً إلى إشارته لتكوين هيئة قيادة عليا.
وتدور تبريرات التجميد، كما يشير مناصرو القرار، حول مسوغات الهشاشة الأمنية وحالة التجاذب السياسي وقطع الطريق أمام أطراف سياسية تحاول اختطاف المجلس وتسخيره لصالح أجندات حزبية لا علاقة لها بإنسان شرق السودان.
وبحسب مراقبين، فإن تضارب التصريحات والمواقف داخل المجلس، أمس الخميس، ماهو إلا صعود لخلافات مكبوتة طيلة الفترة الماضية أو بالتحديد منذ إعلان رفع متاريس الشرق عقب انقلاب (25) أكتوبر، باعتبار أن وقتها، كانت هناك مجموعات رافضة للخطوة وتستند إلى عدم تحقيق المطالب المرفوعة، والتي تم على ضوئها الإغلاق، بينما رأت القيادة وقتها، أن خطوة رفع المتاريس تأتي في إطار حسن النوايا وسط وعود من السلطة العسكرية الجديدة بتنفيذ مطالب مجلس النظارات.
ويشار إلى أن مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، كيان سياسي ذو تكوين عشائري يستند إلى قبائل البجا، ويرفع عدداً من المطالب التنموية ويشتكي من تهميش مناطق الشرق، ويطالب بإلغاء اتفاقية مسار شرق السودان وإقامة مؤتمر قومي.
وتجدر الإشارة أيضاً، إلى أن خطوة “تِرك” الأخيرة بالتجميد، سبقتها استقالة كان قد دفع بها قبل أسابيع وتراجع عنها بعد ضغوط، وحسب مقربين فإنها كانت بسبب ذات الصراع الدائر بين مجموعة بورتسودان التي يقودها مقرر مجلس البجا “أوبشار” و”سيد أبو آمنة”، حيث نفذت الأخيرة اعتصاماً أمام أمانة الحكومة تسبب في استقالة الوالي، كما قامت بإغلاق شركة الموارد المعدنية، ويبدو أنها لم ترق لـ”تِرك” الحليف الجديد للسلطة العسكرية في المركز الذي ظل على الدوام يؤكد بعدم العودة إلى مربع الإغلاق مرة أخرى.
عقب اجتماع “أركويت”، تم تشكيل لجنة تسييرية من الإدارات الأهلية فقط حتى قيام مؤتمر عام في يوليو المقبل، مع استبعاد كل الأجسام السياسية والأمانات المتخصصة.
يقول الناشط المحلي وعضو التجمع الاتحادي، “الطاهر أدريني”، يبدو أن الخلافات التي تدور داخل مجلس نظارات البجا لها بعد مركزي من ناحية وبعد محلي متمثل في عدم رضى القاعدة الجماهيرية لأيٍّ من قادة المجلس، والدليل ما يحدث في ميناء “هيدوب” لتصدير المواشي ولجان الخدمات في محليات غرب ولاية البحر الأحمر.
ويرى “أدريني”، كذلك أن الدائر الآن له بُعد متعلق بالأطماع الشخصية المتمثل في صراع قادة الصف الأول حول المناصب التي باتت قريبة في حال حدوث التسوية السياسية.
وحول تأثير الانشقاق على القضايا التي ظل يرفعها المجلس ودوره في المرحلة المقبلة، يقول “أدريني”، إن اكتمال عملية الفرز وتحديد الأوزان هو ما يحدد مستقبل القضايا وحجم التأثير الأكبر في الإقليم سواء كان لصالح مجموعة “تِرك” أو مجموعة “أوبشار وسيد أبوآمنة” ومن خلفها قد يكون موسى محمد أحمد. ويجزم أن القضايا المرفوعة لم تحل وبالتالي يمكن أن يتم إسكات المطالبة بها ومواراتها لفترة بسيطة من أجل تسويات معينة لكنها ستعود إلى السطح مرة أخرى.
وتتهم التيارات المناوئة لقرارات التجميد “حميدتي” بالضلوع والعمل على إحداث شرخ داخل المجلس، وفي نفس الوقت أعلنت في بيانها الأخير رفضها القاطع للجنة التي شكلها المجلس السيادي برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ووصفتها بغير المحايدة وتسعى إلى تفتيت مجلس البجا عبر سياسة فرِّق تسد وشراء الذمم بدلًا عن مهمتها الأساسية وهي حل مشكلة الشرق.
وفي السياق، يرى البعض أن المجلس هو في الأساس كان صنيعة لتهيئة الأجواء لانقلاب (25) أكتوبر، وأن العسكر حين انتهت المهمة يسعون لتفكيكه الآن، وعن هذه النقطة قال “أدريني” إن السعي لتمزيق المجلس كان عقب الانقلاب مباشرة وبعد بروز أصوات ترفض رفع المتاريس، وجزم بأن نحاج العسكر في تفكيك المجلس من عدمه مرتبط بعدد من العوامل الداخلية والخارجية.