الخرطوم- سودانية 24
قال وزير الاستثمار في حكومة “حمدوك” السابقة وعضو اللجنة الاقتصادية بـ”الحرية والتغيير” الهادي محمد إبراهيم، إن الانقلاب قطع الطريق على الإصلاح الاقتصادي ومشروعات الانتقال وإندماج السودان في الاقتصاد الدولي وإعفاء ديونه بإجمالي (42) مليار دولار.
وأشار إلى أنه في حال اكتمال التسوية وتشكيل الحكومة المدنية، سيكون هناك برنامج مباشر للأولويات الطارئة والعاجلة يسهم في وقف التدهور الاقتصادي وأسعار سعر الصرف.
ويبين أن الدعم الكبير الذي تجده التسوية من قِبل الرباعية الدولية والآلية الثلاثية، سيسهم في تسريع تنفيذ المشروعات التي تم الاتفاق عليها في وقت سابق مع مؤسسات النقد الدولية والدعم من الدول الصديقة، منوهاً بأن تدفق أموال المساعدات الدولية لن تتعدى أشهر وجيزةً.
الانقلاب قطع الطريق على إصلاحات الاقتصاد ومشروعات الانتقال وإعفاء الديون
يترقب السودانيين للتسوية السياسية وما تحقق على مستوى تحسن الأوضاع المعيشية، لأي مدى يمكن أن يقود الاتفاق السياسي إلى فكِّ الحصار الاقتصادي المضروب على السودان عقب إنقلاب (25) أكتوبر؟
في الواقع، إن الانقلاب قطع الطريق على الإصلاحات التي قامت بها الحكومة الماضية في الاقتصاد ومشروعات الانتقال وإندماج السودان في الاقتصاد الدولي وإعفاء ديونه بإجمالي (42) مليار دولار، وكانت الحكومة السابقة استطاعت التوقيع على برنامج التسهيلات الائتمانية الممتدة التي قد تصل المساعدات فيه إلى مليار و(400) مليون دولار، كما تركت احتياطياً يفوق المليار و(500) مليون دولار من تحويل المغتربين وعوائد الصادر، إلا أن الخلل الذي أحدثه الانقلاب بدد كل تلك الجهود.
هذا فضلاً عن المساعدات الكبيرة التي قدمها البنك الدولي للانتقال والتي كانت مقدرة بحوالي ملياريْ دولار، ووزعت على مشروعات حيوية بعضها تم إنشاء وحداتها الأساسية المتعلقة بإدارتها.
الانقلاب في الواقع قطع الطريق على هذه التطورات المهمة وأدى إلى توقف كامل لهذه المساعدات لأن هذه الدول تشترط التعاون مع الحكومات الديمقراطية التي يرضى عنها الشعب. وجاء الانقلاب وأوقف هذه المساعدات ودخل المجتمع الإقليمي والدولي في مقاطعة كاملة مع الدولة وفرض حصار على الاقتصاد، والحكومة عاجزة تماماً الآن أن تحصل في المساعدات التي وعدت أن تُقدمَ لها في كثير من المشروعات.
إلى أي مدى يمكن أن تعيد التسوية السياسية فك الحصار؟
التسوية السياسية تسعى لتكوين حكومة مدنية كاملة ومجرد حدوث ذلك سيعاد النظر في كثير من المشروعات التي تم الاتفاق عليها.
لن تتأخر المساعدات الدولية، في أشهر وجيزة ستتدفق الأموال وتوقف تدهور سعر الصرف
بالتحديد ما الآثار الاقتصادية المترتبة على إنجاز التسوية؟
المراقب للوضع الاقتصادي يجد أن موازنة الدولة التي تدير الاقتصاد الكلي، فيها عجز كبير جداً ومعظمه مركز في الضعف الوارد في الإيرادات وانعدام في المساعدات الخارجية والتدفقات النقدية الخاصة بالمشروعات السابقة، أعتقد بمجرد أن تشكل الحكومة وتكتمل التسوية سيكون هناك برنامج للأولويات الطارئة والعاجلة، وهذه ستضع الحصان أمام العربة، بالتالي تأتي التدفقات المتفق عليها في برامج المساعدات الخاصة بالدعم الاجتماعي، خاصة ونحن نعلم أن الظروف المعيشية وصلت حداً بعيداً لا يمكن معه أن يتحمل المواطن العادي أن يعيش حياة كريمة، بالتالي ستكون أولى أولويات الحكومة النهوض ببرامج الحماية الاجتماعية والبرامج التي وضعت للإنتاج لأهميتها في تحريك عجلة الاقتصاد في جانب الميزان التجاري وفي جوانب أخرى متعلقة بصادرات السودان من المنتجات الزراعية.
أهم شيء في هذا المجال، هو وقف تدهور سعر الصرف، أتوقع بمجرد إعلان الحكومة وتدفقات المساعدات ستؤثر على ذلك.
ما مستقبل الحكومة المقبلة في حال تأخر ضخ أموال الدعم الخارجي؟
البرامج المحددة والمتفق عليها مع البنك الدولي باعتبارها مساعدات مباشرة حُددت في مشروعات معينة في الري والزراعة وحصاد المياه بـ(775) مليون دولار، ودعم مباشرة للموازنة بحوالي (500) مليون دولار، ومشروعات الطاقة والكهرباء بـ(780) مليون دولار، فضلاً عن المساعدات العينية مثل المساعدة الأمريكية بـ(700) ألف طن ويزد من القمح.
أتوقع في ظل الدعم الكبير التي تجده التسوية من قبل الرباعية الدولية والآلية الثلاثية سيحدث تسريع في تنفيذ المشروعات التي تم الاتفاق عليها في وقت سابق مع مؤسسات النقد الدولية والدعم من الدول الصديقة.
لن تتأخر المساعدات الدولية، في زمن وجيز لا يتعدى أشهر ستتدفق الأموال وسترى تلك المشاريع النور، وستُحدث أثراً كبيراً في الاقتصاد، لأن هذه المشروعات لم تكن قد حُددت لضخِّ سيولة وأموال، بقدر ما هي برامج ومساعدات في مجالات تعاني من اختناقات حقيقية مثل الكهرباء والري والطاقة والاتصالات والصحة والتعليم ودعم الموازنة.
السودان الآن يُحظى بدعم دولي غير مسبوق لم تجده أية دولة في دعم الانتقال من الحكم الشمولي العسكري الانقلابي إلى حكم مدني، وهذه الإرادة متوفرة في أنها تقدم مساعدات كبيرة للسودان وتعجل بذلك.
الاقتصاد السوداني لديه مقومات ذاتية لكن يحتاج إلى مساعدات مبرمجة تجعل في الانطلاقة حقيقة
هل أمام الحكومة المقبلة أي خيارات تعالج الأوضاع الاقتصادية بمعزل عن روشتة البنك الدولي؟
أولاً، الحديث عن روشتة البنك الدولي، هو حديث غير دقيق، بمعنى أن السودان وقّع مع صندوق النقد برنامج (اس أم بي)، وهو برنامج نابع من رؤية ذاتية؛ صحيح أنه يستصحب بعض ملاحظات الصندوق -والبرنامج متاح للناس للاطلاع عليه- وهو يتحدث عن إصلاحات جذرية بالنسبة للاقتصاد وفي هيكلية الاقتصاد الكلي، وإصلاح سعر الصرف، وقد كان معلوماً أن بالسودان سعريْن “موازي ورسمي”، وهذا خلل كبير جداً بالنسبة لموازنة الدولة وخلل بالنسبة لعملية التسعير، وكثير من المضاربات التي تحدث وتجارة العملة وغيرها من الأشياء التي أضرت بالاقتصاد وأرهقت المواطن.
كذلك كان هناك الدعم المباشر للسلع ـ الوقود والكهرباء ـ وما زال جزء منه يقدم، وكانت الدولة تعاني معاناة كبيرة لتوفير هذه الخدمات. البرنامج الذي وقع مع الصندوق في جوهره يسعى لإزالة هذه التشوهات، صحيح الجراحة كانت أليمة للغاية بالنسبة للمواطن السوداني ذي الدخل المحدود لكن بالنسبة لكثير من القطاعات الاقتصادية والخدمية والإنتاجية حصلت تسوية وتعديل للأسعار لتتماشى مع المتغيرات الخاصة بالكُلفة والزيادات التي حدثت في سعر الصرف.
إزالة هذه التشوهات كان واحداً من الأشياء المطلوبة في البرنامج الذي تم التوقيع عليه والذي حقق نجاحات كبيرة في الفترة التي سبقت الانقلاب.
أعتقد الاقتصاد السوداني لديه مقومات ذاتية للنهوض دون تدخل المؤسسات الدولية، لكن في ظل الظروف الحالية يحتاج إلى مساعدات مبرمجة تجعل في الانطلاقة حقيقة سواء كان في مجال الإنتاج والري، الصحة، التعليم والطاقة التي تعتبر من المسهلات الأساسية بالنسبة للتنمية.
هل تتوقع أن تعيد الحكومة المقبلة النظر في المشروعات التي منحتها فترة الانقلاب لبعض دول الإقليم، مثل ميناء أبو عمامة ومشروع وادي الهواد اللذين حازت شركات إماراتية امتياز الاستثمار فيهما؟
الحكومة المقبلة ليس فقط ستعيد النظر في بعض هذه المشروعات، وإنما ستعيد النظر في كل القرارات الإرتدادية التي قام بها قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، وأيضاً المشروعات الكبيرة التي من المفترض أن تجاز عبر المجلس التشريعي، مثل مشروع الميناء والهواد، لأنها ليست من صلاحيات الوزير أو أي حكومة، ستراجع هذه المشاريع دون شك وتخضع لدراسات وتقدم للمجلس التشريعي لإجازته، وهنا لا بدَّ للإشارة أن مشروع الهواد يفوق مشروع الجزيرة وهو في مساحة لا تقل عن (2) إلى (2.5) مليون فدان، وهذه لا يمكن أن يجيزها وزير مهما كانت صلاحيته، بالإضافة إلى أن المشروع كان مطروحاً في فترة سابقة وأرجأت الحكومة النظر فيه لحين تكوين المجلس التشريعي، وقامت الحكومة الانقلابية بتمرير هذه الصفقات المشبوهة، وفي تقديري لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعود منها نفع للسودان خاصة وأنها تمت في ظروف انقلاب لا يعلم الشعب السوداني عنها أي شيء بالتالي من باب الواجب مراجعتها وإلغائها إذا كان هناك أي تجاوزات في الطريقة التي تمت بها الإجازة، كذلك سيعاد النظر في كثير من القرارات الإرتدادية التي مكنت النظام السابق، وأعادت له الكثير من المشروعات والممتلكات والأموال التي صادرتها لجنة التمكين وهو من أوجب وأولى واجبات الحكومة القادمة.